عرض مشاركة واحدة
قديم 15 - 09 - 2022, 01:06 PM   رقم المشاركة : ( 6 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,222,787

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: ما هو الخير؟

بين السرعة والبطء


كتاب مقالات روحية للبابا شنودة الثالث



هل الصالح الإسراع في العمل أم البطء فيه؟ انه سؤال حير الكثيرين، وتعددت فيه الآراء، وتناقضت، وبقى الناس حائرين بين السرعة والبطء.



نسمع أحد الشعراء يشجع على التروي والتأني فيقول:
قد يدرك التأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل
ولكن هذا الكلام لا يعجب شاعرًا آخر فيرد عليه قائلًا:
وكم أضر ببعض الناس بطؤهمو وكان خيرًا لهم لو أنهم عجلوا
وهكذا بقى الأمر كما هو، موضع حيرة: هل نبت في الأمر بسرعة، أم نتأنى ونتروى.. فما هو الحل؟
لا شك أن كثيرًا من الأمور لا يمكن أن تقبل التباطؤ. وقد يكون البطء فيها مجالًا للخطر والخطأ، ويحسن فيها الحزم والبت السريع.





فمثلًا لا يصح أن يتباطأ إنسان في التوبه. لأنكل وقت يمر عليه في الخطيئة، إنما يزيد عبوديته لها.
و يحول الخطأ إلى عادة، وقد يحول العادة إلى طبيعة. وربما يحاول الخاطئ أن ينحل من رباط شهواته فلا يستطيع، أو قد يستطيع أخيرًا بمرارة وصعوبة وبعد جهاد مميت. كل ذلك لأنه أبطأ في توبته وفي معالجة أخطائه..
وبالمثل فإن التباطؤ في معاجلة الأمراض الجسدانية، قد ينقلها إلى مراحل من الخطر يصعب فيها علاجها أو يستحيل.. وبالمثل في مسائل التربية، حيث يؤدى التباطؤ في تقويم الطفل أو الشاب إلى إفساده.
وقد صدق الشاعر الذي قال:
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت و لا يلين -إذا قومته- الخشب
هناك إذن مواقف تحتاج إلى بت سريع وإلى حزم قبل أن تتطور إلى أسوأ، وقبل أن يسبق السيف العزل.. وربما تحتاج إلى تصرف قد يكون مؤلمًا، ولكنه يكون لازمًا وحاسمًا بقدر ما يكون سريعًا وحازمًا. وهناك علاقات ضارة وصداقات معثرة ينبغي أن تؤخذ من أولها بحزم. كذلك قد توجد اتجاهات فكرية مخزية، أو اتجاهات سلوكية منحرفة، إن لم يسرع المجتمع في التخلص منها، فقد تقاسى هذا التباطؤ أجيال وأجيال..
ومع هذا الفضل الذي ننسبه إلى السرعة، هناك مواقف كثيرة تحتاج إلى التباطؤ وإلى التأني والتروي، ويتلفها الإسراع أو الاندفاع.
فمتى يصلح التباطؤ إذن؟
من النصائح الجميلة في الكتاب المقدس، قول الوحي الإلهي: "ليكن كل إنسان مسرعًا في الاستماع، مبطئًا في التكلم، مبطئًا في الغضب. لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله".
نعم إن التباطؤ في الغضب فضيلة عظمى. فإن الذي يسرع به الغضب، قد يصل إلى الاندفاع، وفي اندفاعه قد يفقد سيطرته على أعصابه، أو قد يفقد سيطرته على تفكيره.. وهكذا يخطئ..
لذلك حاذر من أن تأخذ قرارًا حاسمًا في ساعة غضبك، لئلا بذلك تضر نفسك أو تضر غيرك إنما تحاول أن تهدئ نفسك أولًا.. ثم بعد ذلك فكر وأنت في حالة هدوء.. أو ببطء في الموضوع وأجل الأمر إلى أن تهدأ. إن القرارات السريعة التي تصدر في حالة غضب، تكون في غالبيتها عرضة للخطأ.
قد يطلق إنسان امرأته، إن أسرع باتخاذ قرار في ساعة غضب.. وقد يفقد أعز أصدقائه، وقد يتخلى عن عمله، بل قد يهاجر أيضًا من وطنه، كل ذلك لأنه أخذ قرارًا سريعًا في ساعة انفعال، ولم يتباطأ، ولم يؤجل الموضوع إلى أن يهدأ.
بل قد ينتحر إنسان ويفقد حياته، لأنه أسرع باتخاذ قرار في ساعة انفعال، أو قد يسرع بقتل غيره، أو يأخذ ثأره، كل ذلك في ساعة انفعال.. لذلك أمر الله أن يكون الشخص منا بطيئًا في غضبه.. لا يغضب بسرعة. وإن غضب لا يقرر شيئًا بسرعة..
وإن قرر إنسان شيئًا بسرعة، فلا مانع من أن يرجع في قراره. وقد يظن البعض أنه ليس من الرجولة ولا من حسن السمعة أن يرجع إنسان في كلمته، أو يلغى قرارًا له. ولكن الحكمة تقتضي منا أن يراجع الإنسان نفسه فيما اتخذه من قرارات سريعة..

اترك القيادة لعقلك، لا لأعصابك. إن أسرعت في التصرف في حالة انفعال، تكون مقادًا بأعصابك لا بعقلك، وفي هذا خطر عليك وعلى غيرك.

وحاذر من أن تكتب رسالة إلى غيرك في ساعة غضب، لأنك ستندم على ما كتبته ويؤخذ وثيقة ضدك.. وإن لم تستطع أن تقاوم نفسك، وكتبت مثل هذه الرسالة، فنصيحتي لك أن تتباطأ في إرسالها. اتركها في مكتبك يومين أو ثلاثة، ثم عاود قراءتها مرة أخرى، فستجد أنها تحتاج إلى تعديل وتغيير أو تجد أنك استغنيت عنها ولم تعد تتحمس لإرسالها..

أن التباطؤ في الغضب قد يصرفه.. الغضب يحركه شيطان سريع الحركة، والتباطؤ يشل حركته ويوقفه عن العمل.. فإن دخلت في نقاش أدى بك إلى الغضب، أجله لوقت آخر، حتى تهدأ..

كذلك البطء في التكلم نافع ومفيد.. استمع كثيرًا قبل أن تتكلم.. حاول أن تفهم غيرك.. حاول أن تلم بالموضوع إلمامًا كاملًا. أعط نفسك بهذا البطء فرصة لمعرفة ما ينبغي أن تقوله. وهكذا يكون كلامك عن دراسة، وبروية وهدوء، فلا تخطئ.

وأن تكلمت فليكن كلماتك هادئة.. لا تسرع في حديثك، بل تخير ألفاظك. زنها جيدًا بميزان دقيق قبل أن تلفظها. وأن تلفظها. وإن وجدت عبارة منها غير مناسبة، أبدلها بغيرها.. وهذا لايتأتى لك إلا إذا كنت مبطئًا في التكلم، غير مندفع فيه.



إن الكلمة الخاطئة التي تقولها، لا تستطيع أن تسترجعها مرة أخرى. لقد خرجت من فمك وانتهى الأمر، ووصلت إلى آذان سامعيك، وتسجلت، وحسبت عليك.. ربما يمكنك أن تعتذر عنها، أو تندم عليها، ولكن لا يمكنك أن تسترجعها داخل فمك. لقد حسبت عليك.. لذلك تباطأ في كلامك..
إن العربة المندفعة بسرعة هائلة، لا تستطيع أن تقف فجأة، أو تغير اتجاهها وهى مسرعة، كذلك المسرع في كلامه: ربما لا يمكنه أن يغير أسلوبه فجأة إن أحس بخطئه، وقد لا يحس.. أما الذي يبطئ في كلامه ويتخير ألفاظه، فما أسهل عليه أن يعدل أسلوبه إن شعر بخطأ..
الهادئ في كلامه يناقش الفكرة قبل أن يتكلم بها. أما المسرع في حديثه، فيقول الفكرة ثم يناقشها بعد ذلك، وقد تكون خاطئة! وقد يضطر إلى أن يسحب فكرته، أو يتنازل عنها، أو يعترف بخطئها. وقد يصيبه حرج في كل ذلك بسبب إسراعه..
وكما ينفع البطء في الغضب والكلام، كذلك ينفع البطء في إصدار الأحكام. لا تحكم بسرعة. ولا تصدق كل ما يقال. ولا تقبل وشاية أو دسيسة ضد إنسان. إنما فكر كثيرًا، ولا تصدر حكمك إلا بعد مزيد من التروي والفحص، فهناك أخبار ربما تصلك من أصدقائك أو من أبنائك أو من مرؤوسيك أو من رؤسائك، أو من مصادر غير موثوق بها، لذلك تباطأ في حكمك.
و مما ينفع فيه البطء أيضًا، البطء في الرغبات.. إذا أتتك رغبة، فلا تسرع في تنفيذها، لأنك لا تضمن فربما تكون من الشيطان. وأن كانت رغبة مقدسة، فلا تلهبك السرعة إليها لأن السرعة تورث القلق واللهفة والاضطراب وتوقعك في تعب الانتظار..
اطرح رغبتك بين يدي الله، وهو سيختار لها الموعد المناسب بحكمته الإلهية. وفي بطء رغباتك تعلم الصبر. وانتظر الرب.. وإذا طلبت من أحد شيئًا، فلا تلح عليه الحاحًا أن ينفذ بسرعة، لئلا يتضايق منك، ولئلا تكون هناك عوائق أمامه تحتاج إلى وقت وأنت لا تدرى.
  رد مع اقتباس